مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: الفقر يزيد الفساد سوءًا.. والفساد يجعل الفقر أسوأ.

الفقر يزيد الفساد سوءا.. والفساد يجعل الفقر أسوأ.
الفقر يزيد الفساد سوءا.. والفساد يجعل الفقر أسوأ.

 

ظهر منذ أيام قليلة التقرير السنوي عن مؤشر الفساد في العالم، ليس هناك جديد يقال عن مصر فيما يتعلق بمؤشر الفساد. فمصر تحتل المرتبة 107 منذ أكثر من خمس عشرة سنة، تتأرجح درجة أعلى أو درجتين أقل منذ أيام الرئيس الراحل مبارك وحتى الآن. شاركت الجزائر مصر في نفس الترتيب بينما تفوقت دول الإمارات وقطر والسعودية كأفضل حكومات في مكافحة الفساد عربياً، وقبعت دول اليمن وسوريا ولبنان والسودان في ذيل القائمة عربياً.


الخريطة توضح بدرجات الألوان الدرجات التي تحصل عليها كل دولة، وذلك باستخدام تقييمات خبراء الأعمال والمحللين، بما في ذلك الأرقام من البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي. تقوم المنظمة غير الحكومية بتسجيل البلدان من 0 إلى 100 بناءً على تصورات الفساد في القطاع العام، 100 درجة تشير إلى سجل نظيف صارم، وصفر تشير بالطبع إلى سجل سلبي جدا في مجال الشفافية ومكافحة الفساد. يسجل معظم العالم درجات ضعيفة في مؤشر الفساد السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، في الترتيب الأخير حصل ما يقرب من 70٪ من البلدان على درجات أقل من 50.

تميل البلدان الفقيرة إلى أداء أسوأ من الدول الغنية، فمتوسط الدرجات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هو 33 وهو الأدنى بالنسبة لأي منطقة. بينما أقل رقم في أوروبا الغربية هو 66 وهو ضعف أقل مؤشر في أفريقيا.

الجدير بالملاحظة أن أمريكا نفسها أصبحت للمرة الأولى خارج الدول الخمس والعشرين الأقل فسادًا في العالم. ويمكن إلقاء اللوم على جهود دونالد ترامب لقلب نتائج الانتخابات في عام 2020. لكن أكبر الانخفاضات كانت في البلدان التي قامت حكوماتها بكتم الصحافة وقمع الحريات المدنية تحت غطاء الوقاية من كوفيد -19.. فانخفضت بيلاروسيا ست درجات منذ عام 2020 عندما تولى ألكسندر لوكاشينكو الرئاسة في انتخابات مزورة. وساهم قتل المدافعين عن حقوق الإنسان تحت قيادة رودريجو دوتيرتي في الفلبين، وخنق الصحافة الحرة في نيكاراجوا وفنزويلا في انخفاض درجاتهم في التقرير لهذا العام.

عادة ما يكون التحسن في المؤشر بطيء، وعادة ما تنتقل البلدان بنقطة أو نقطتين فقط من عام إلى آخر كما يحدث في مصر.. هذا إذا حدث تحسن في الأساس.

لكن الانتقال إلى الديمقراطية يمكن أن يؤدي إلى تحسن أسرع، فقد ارتفعت درجات أرمينيا 14 درجة منذ عام 2017. اجتاحت الاحتجاجات الجماهيرية في 2018 النخبة السياسية لصالح حكومة منتخبة وجهت اتهامات ضد كبار المسؤولين السابقين. رغم أنه في الآونة الأخيرة فقدت حكومة أرمينيا بعضاً من زخمها بسبب استقالة الرئيس الحالي هذا الشهر.

أنجولا مثال آخر رائع في أفريقيا، فقد قفزت عشر درجات كاملة في المؤشر خلال نفس الفترة. وعلى الرغم من أن الإصلاحات منذ عام 2017 قد أسعدت صندوق النقد الدولي إلا أن معظم الأنجوليين ينتظرون تأثير ذلك على حياتهم اليومية.

الدول الفقيرة -لا سيما تلك الموجودة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا- تحصل على درجات سيئة بسبب السلوك السيىء لحكوماتها. لكن التقرير لا يبرئ الدول الغنية لأن الشركات الموجودة في الدول الغنية غالبًا ما تسهل الفساد في الخارج. ونشرت منظمة الشفافية الدولية تقريراً منفصلاً عن البلدان التي تقدم شركاتها رشوة لمسؤولين أجانب. والملاحظة الهامة أن كبار اللاعبين في تلك القائمة هم نفس البلدان التي أشاد المؤشر الرئيسي للمنظمة بأنها الأقل فسادًا، يفسدون غيرهم لتحقيق مصالحهم، لكن على الأقل تفرض بعض الدول مثل الولايات المتحدة قوانين لمكافحة الرشوة حتى ولو كانت خارج أراضيها طالما كانت الشركة أمريكية. وتعد بريطانيا وسويسرا من بين الجهات "النشطة" في تطبيق هذا القانون، بينما تعد ألمانيا والنرويج والسويد من الدول "المعتدلة" في تطبيق قوانين الرشوة خارج أرضها وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية.

في النهاية بات واضحاً أن الديمقراطية والحريات عاملان رئيسان وفاعلان في مكافحة الفساد، وبات من المؤكد أن الفقر يزيد الفساد سوءًا، والفساد يجعل الفقر أسوأ.