مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: القرار السياسي.. بين صناعة التاريخ أو تغييره

 

حياتنا كلها عبارة عن مجموعة قرارات.. الزواج قرار، والعمل قرار، وعبور الشارع قرار.. وبالطبع فإن السياسة هي في الأساس "قرارات". التاريخ السياسي يذكرنا بقرار الجندي البريطاني هنري تندي الذي التقى صدفة بجندي ألماني مصاب في عام 1914، إبان الحرب العالمية الأولى، وقرر الجندي البريطاني أن لا يطلق النار على الجندي الألماني وتركه يعيش ويحيا. ليصبح لاحقًا، الزعيم الناري أدولف هتلر، الذي لو قتله الجندي البريطاني لربما تغير كل التاريخ السياسي المعاصر، وكانت خريطة العالم حاليًا تغيرت، ونجا أكثر من 45 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية.


هتلر لاحقًا بكل كاريزمته في الخطابة وانتصاراته العسكرية الكاسحة في بداية الحرب العالمية الثانية، لم تهزمه المعارضة الداخلية، ونجا من كل محاولات الاغتيال، واستطاع قمع الغضب بين أركان جيشه، لكنه قتل نفسه بنفسه بعد أن تسبب قراران فقط في هزيمته.

الأول كان قرار إعلان الحرب على الولايات المتحدة، وكان قرارًا خاطئا وفرديًا وعلى غير رغبة قادته العسكريين، اعتقادًا منه أن اليابان سوف تقف بجانبه في جبهة روسيا، والقرار الثاني كان غزو روسيا وكان أيضا قرارًا فرديا، اعتقادا منه أن اليابان سوف توسع عملياتها من الشرق في روسيا وهو ما لم يحدث ولم تدخل اليابان الحرب مع روسيا. ودمر  هتلر جيشه من الطرفين الشرقي والغربي ثم انتحر وقتل نفسه بنفسه حين لم يستطع كل أعدائه فعلها.

أفضل الأمثلة في مصر عن دور "القرار" الخاطئ في تغيير التاريخ، هو قرار الانسحاب الارتجالي عام 1967، وكان للقرار آثار سياسية وعسكرية مدمرة، أيضا كان قرار الرئيس الأسبق "حسني مبارك" بعد إلغاء نتيجة الانتخابات البرلمانية المزورة في عام 2010 بناءً على نصيحة قدمت له، وعدم سماع نصائح رئيس جهاز مخابراته وقتها عمر سليمان. وكان هذا سببًا مباشرًا في استمرار الغضب الداخلي وتصاعده حتى ثورة يناير. وأكاد أجزم أنه لو كان قد ألغى نتائج الانتخابات لتغير التاريخ، وامتد حكمه سنوات طويلة أخرى، ولربما كان نجله جمال مبارك رئيسًا الآن.

الذاكرة السياسية مليئة بمئات القصص عن "قرارات" خاطئة، جلها قرارات فردية.. قرارات كلها دروس لا يمكن التوقف عن قراءتها والتمعن في نتائجها، ونحن أنصار الديمقراطية نرى أن النظم الديمقراطية تقدم تطبيقاً مثالياً لصنع "القرار" الرشيد، ذلك أن "القرار" في مثل هذا الأنظمة يستند إلى مؤسسات لا إلى أفراد، وإلى دراسات لا إلى وجهات نظر، وإلى الرأي والرأي الآخر لا إلى اهات أهل الثقة.. وبغير هذا ينهي "القرار" دول وتقوم مكانها أخرى، ويكتب تاريخ كان من الممكن أن يكون غير هذا التاريخ الذي نقرؤه اليوم.