مقال بقلم د/ ياسر حسان: واجبات المرأة .. بين الترند المحلي وسياسات دول العالم

الطلاق والرضاعة .. بين الترند المحلي وسياسات دول العالم
الطلاق والرضاعة .. بين الترند المحلي وسياسات دول العالم

 

موضوعات الترند مثل نسب الطلاق المرتفعة والالتزام بالرضاعة لا يجب أن تمر أمامنا مرور الكرام. ومن وجهة نظري أن رضوي الشربيني وعبد الله رشدي ونهاد قمصان وهبة قطب وغيرهم الكثير من أسباب ارتفاع نسب الطلاق حتى ولو كان بدون قصد. أولًا، لأن بعضهم للأسف لا يمكن اعتباره قدوة من الأساس حتي في حياتهم الشخصية.


وثانيًا، لأن الخلافات الزوجية مسألة شخصية بحتة تعتمد على القيم والمفاهيم الشخصية، وهي مسائل لا تتشابه ولا يمكن تعميمها، لذلك فهو ليس علم له طريقة واحدة للتطبيق كما يفعل هولاء.. مثلًا موضوع مثل الرضاعة المثار حاليًا، أكاد أجزم أن كل أمهات العالم يرضعن أطفالهن بكل شغف وحب، بل إن الرضاعة هي أجمل وأعظم واجبات الأمومة التي تمارسها المرأة.

مثل هذا الجدل في أمور غريبة جدًا تحدث في مجتمعنا ومجتمعات غربية أخرى. 

حدثني صديق بريطاني أنه تزوج من سيدة أسبانية وأقاما في أسبانيا ثم انفصلا، وطبقًا للقانون الأسباني فإن الحضانة وحق الإقامة مزدوج للأب والأم معا ما لم يكن هناك عائق لذلك مثل إدمان أحدهما مثلًا. ثم انتقلت طليقته الأسبانية لاحقًا للعيش في إنجلترا بلده، ذهب إلى محامٍ في إنجلترا ليقول له إنه يحمل قرار محكمة من أسبانيا في الحضانة المشتركة ويريد تفعيله في بريطانيا، ضحك المحامي وقاله بما معناه "بله واشرب مايته" الحضانة في القانون الإنجليزي للأم فقط، والقاضي يكلف الأم نفسها بأن تسأل الطفل "عاوز تشوف بابا ولا لأ"، والإجابة غالبًا لأ، لأن القاضي لا سمع ولا رأى. سأله صديقي عن الحب، قال له لا يوجد حل في 4 مليون طفل في إنجلترا لا يستطيعون رؤية أبنائهم "ويا ريت وانت خارج تدفع أتعاب الاستشارة القانونية ".

باختصار استطاعت قوانين الأحوال الشخصية السيئة في كثير من دول العالم تدمير حياة أجيال أصبحوا ضد العلاقات الزوجية والإنجاب.. وأكثر من ذلك شجع السياسيون لعقود طويلة سياسات عدم الإنجاب أو الحد منه بالذات في أوروبا بسبب نقص الموارد الطبيعية في هذه القارة. ونتيجة الخوف من زيادة سكان العالم قرر بعض السياسيين ركوب موجة حملة مجتمع "ميم" ودعمهم وكبرت موجات الدعم السياسي حتى شملت العالم كله، ولسد عجز العمالة ونقص السكان فلا مانع من استقبال المهاجرين لأنهم يأتون جاهزين إليهم ولا يكلفون خزينة الحكومات مصاريف تعليم وتربية، ويتساوى في هذا المهاجر الطبيب المتعلم أو العامل البسيط.

يقول صديقي البريطاني إن هذه السياسات هي التي دفعت تيار المحافظين في إنجلترا وهو منهم للتصويت "بنعم" للخروج من الاتحاد الأوروبي، ويقول صديقي إنه لم يعد يرى إنجلترا التي تربى فيها بوجود 8 مليون بولندي، و 8 مليون مسلم في إنجلترا، وأن التغير السكاني في إنجلترا مخيف بالنسبة له. 

طبعا أزمة الإنجليز مع البولنديين كبيرة، لكنه يتوقع أيضًا أن يكون أكثر من نصف سكان إنجلترا مسلمين في منتصف هذا القرن. 

أتفهم مشكلة صديقي الإنجليزي وقلت له إن الهجرة مصلحة متبادلة نتيجة نقص العمالة وأن العلاج يبدأ بالرجوع للحياة الإنجليزية التقليدية وإنجاب مزيد من الأطفال.. رده كان بسيطًا "السياسيون لا يريدون ذلك".

 وهذا يفسر الفجوة السياسية الكبرى بين المحافظين وبين الأحزاب السياسية الأخرى في معظم دول أوروبا، وانتقلت هذه الفجوة بقوة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت الاختلافات بين الحزبين أكبر وأوسع بكثير.

ثم انتقلت لاحقًا موجات التأييد لمجتمع "ميم" إلى الشركات الكبرى مثل نتفليكس وديزني بدعم من بعض الساسة، لكن ثمنه كان باهظًا على بعض تلك الشركات. 

نتفليكس خسرت اشتراكات كثيرة حتى في أوروبا وأمريكا بسبب تحفظ كثير من الآباء على المحتوى المقدم لأبنائهم، واضطرت نتفليكس حاليًا لتغيير سياساتها في بعض مناطق العالم ومنها عالمنا العربي، كما حظرت هذا المحتوى لأعمار معينة في معظم دول العالم. 

ديزني أيضًا فقدت مليارات كثيرة بسبب رفض كثير من الأهالي زيارة مدنها الترفيهية لأنها أصبحت ترحب بالأطفال دون ذكر الأمهات والأباء في إشارة إلى عدم تحديد جنس الوالدين في إشارة إلى تبني زوجين من نفس الجنس؛ مما أثار استياء الزوار، بل ووصل الأمر إلى عدم ذكر جنس الشخصيات الكارتونية المعروفة لكل العالم مثل "ميكي ماوس". ومؤخرا دخلت ديزني في صدام مع حاكم فلوريدا المحافظ بعد تغيير قوانين تتعلق بتعلم الأطفال للجنس قبل سن معينة، وهو ما رفضته ديزني فكان الرد بسحب كل الامتيازات الضريبية التي كانت تتمتع بها ديزني من الولاية.

 في عالمنا في الشرق الأوسط تسويق مجتمع "ميم" صعب جدا، لكن لا مانع من تدمير فكرة الزواج أصلا بأفكار مثل "عدم التزام أي طرف تجاه أي طرف بأي شئ".. وبهذا تولد أجيال تفضل الحياة والعلاقات الكاجوال التي لا يشملها إنجاب بما أنه لا يوجد التزام أصلًا بأبسط الأمور.

الملخص أنه في هذا العالم وفي مصر لا شئ عفوياً، وكل ما يحدث أو يقال لنا له ترتيب ووراءه أجندات نعلم بعضها ولا نعلم معظمها.