مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: مستقبل تطبيقات البث المباشر .. مكاسب اقتصادية وغزو العالم

مستقبل تطبيقات البث المباشر .. مكاسب اقتصادية وغزو العالم
مستقبل تطبيقات البث المباشر .. مكاسب اقتصادية وغزو العالم

من حوالي ثلاث سنوات اتصل بي صديق يخبرني أن هناك مفاوضات بين مجموعة MBC ممثلة في وكيله الإعلامي شويري وبين الشركة المتحدة في مصر من أجل تعاون مشترك في تطبيق (شاهد) وتمنيت وقتها أن تحدث شراكة مباشرة أو استثمار مشترك بينهما لمواجهة ما هو قادم، لكن علمت لاحقًا أن الشركة المتحدة سوف تطرح تطبيقًا خاصًّا بها تحت اسم (Watch it).

كنت أرى وقتها أن المنافسة القادمة في هذا المجال أكبر من قدرات دول، فما بالك بقدرة شركات مهما بلغ حجمها. حاليًا تعاني الأفلام المصرية من نقص إيراداتها في السينما.. أولًا بسبب ارتفاع تذاكر السينما، فسعر تذكرة سينما لشخص واحد بات يقارب اشتراك Netflix لمدة شهر كامل تتمتع خلالها الأسرة بالكامل بمشاهدة ما يحلو لهم، والسبب الآخر هو أن هذا التطبيق أصبح أكبر منتج حصري للأعمال الفنية عالميًا، وبهذا فإنك ستشاهد أعمالًا فنية لن تشاهدها في مكان آخر، بالإضافة إلى الأعمال الفنية المنتشرة عالميًا والتي يعرضها التطبيق.

تطبيق Netflix ليس هو العملاق الوحيد حاليًا لكنه هو الوحيد المتوفر في المنطقة العربية، لكن هناك تطبيقين آخرين قادمين للمنطقة العربية في غاية القوة هما HBO Max للعملاق ورنرر، وتطبيق Disney plus.

ولنراجع الأرقام التالية لنفهم حجم هذه التطبيقات وقوة استثماراتهم. من المتوقع أن يبلغ إجمالي الإنفاق العالمي على المحتوى الدرامي خلال العام الحالي 2022 حوالي 230 مليار دولار أمريكي، يبلغ نصيب الولايات المتحدة منها حوالي 140 مليار دولار، نصيب مجموعة Disney حوالي 18 مليار دولار، ثم نيتفليكس بإنفاق يبلغ 17 مليار دولار، ثم HBO بحوالي 14 مليار دولار . هذا عدا استثمارات العملاقين أمازون وآبل في المحتوى الدرامي لكن بشكل أقل. وتستطيع أن تقارن حجم تلك الأرقام مع الموازنة العامة لمصر أو حتى لدولة خليجية لتعرف استحالة المنافسة خاصة مع تشتت التطبيقات العربية.

 المحتوى الدرامي المصري كان وما زال مرتبطًا بالتوزيع الخارجي الذي يتحكم بشكل كبير في شكل المحتوى.

الخليج حاليا له ذوق يختلف عن المحتوى الموجه إلينا، والإنتاج الخاص سوف ينتج ما يناسب ذوق المشاهد الخليجي أكثر من ذوق المشاهد المحلي لأن عينه دائمًا على عائد التوزيع الخارجي، فتنطيط حسن الرداد مطلوب عربيًا أكثر من بطولات أحمد عز الخارقة، هم يبحثون عن الترفيه فقط، وأطلقوا لها هيئة حكومية مستقلة، ولا يعنيهم البحث عن قضايا تتعلق بالشأن الداخلي المصري أو اللبناني أو محتوى ذي توجهات سياسية معينة.

ووسط تلك الأزمة تأتيك التطبيقات الأمريكية بمحتوى فني متنوع بصناعة محترفة وإنتاج عالٍ يعكس فكرة Globalization او Internationalization بمعنى إنتاج يتسع لكل الثقافات.. عمل كوري يمكن أن يشاهده مواطن عربي، وعمل أمريكي يتم تصويره في اليابان بمشاركة ممثلين هنود فيصبح مقبولًا لثقافات وشعوب مختلفة، وهذه الأعمال تأتي بقيمة فنيه عالية، ودليل ذلك أن نصف الترشيحات لأفضل فيلم لأوسكار هذا العام ذهبت إلى أفلام ظهرت حصريًا على واحدة من ثلاث شركات محتوى كبيرة هم Apple TV و HBO Max و Netflix، أو تم بثها جنبًا إلى جنب في تلك التطبيقات مع عرضها في السينما.

وللعلم فإن Netflix حصلت على أول ترشيح أكاديمي لتطبيق بث مباشر في فئة أفضل فيلم وثائقي كان عن فيلم "The Square" للمخرجة جيهان نجيم عن الثورة المصرية.. وحاليًا وللسنة الثالثة على التوالي تنافس Netflix على أكبر عدد من الترشيحات أكثر من أي استوديو أو منتج عالمي آخر، وتتعلق آمالها على فيلم The Power of the Dog الذي حصل على 12 ترشيحًا لجوائز الأوسكار أكثر من أي فيلم آخر في عام 2022.

وبعيدًا عن نظرية المؤامرة، عليك أن تفهم أنهم لا يستهدفونك أنت بذاتك ولا يستهدفون ثقافتك انت لوحدك، هم يستهدفون كل العالم بحيث يصبح عالمًا واحدًا مفتوحًا، يؤثرون فيه من خلال الفن لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة تمكن منتجاتهم وعلاماتهم التجارية بل وأسلوب حياتهم من غزو العالم كله بما فيها الصين نفسها.

حجم التغيير القادم هائل بدءًا من تطبيقات المحتوى وانتهاءً بعالم الميتافيرس، ووسط هذا كله يقف المواطن العربي تائهًا أمام متغيرات عالمية صعبة الفهم والاستيعاب، وعليه الاختيار بين محتوى خارجي قد لا يناسبه وبين محتوى محلي موجه إما لأغراض الترفيه والتسلية أو لأغراض وأفكار سياسية.

ويستطيع أي محايد أن يقرأ المستقبل ويتوقع من الرابح ومن الخاسر في تلك المعركة الثقافية والاقتصادية خلال السنوات القليلة القادمة.