مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: هل النفوذ الثقافي يجعل الشعوب أكثر قوة؟

هل النفوذ الثقافي يجعل الشعوب أكثر قوة
هل النفوذ الثقافي يجعل الشعوب أكثر قوة

 
 

انتهيت من مشاهدة الحلقات التسع للمسلسل الكوري "Squid Game" على تطبيق Netflix  بناءً على رغبة صديق قال لي إنه يعاني من هوس أسرته من متابعة المسلسلات الكورية. أثار الأمر فضولي فتابعت المسلسل وهو دراما عنيفة للبقاء على قيد الحياة تم إصداره على Netflix الشهر الماضي وحقق أعلى نسب مشاهدة حول العالم، والحقيقة أن المسلسل يستحق إعجاب الملايين حول العالم بمن فيهم المصريين. كل شئ في المسلسل رائع.. الفكرة، التصوير، الإخراج، التمثيل، جميع عناصر العمل تجذب كل إنسان لمتابعته بغض النظر عن ثقافة هذا المشاهد.


أدى الضجيج العالمي حول المسلسل إلى إحياء الاهتمام بالعلاقة بين نجاح ثقافة البوب الكورية الجنوبية وتأثير حكومتها في ذلك. يؤكد هذا التحليل النجاح الثقافي لكوريا الجنوبية كأداة مهمة لـ "القوة الناعمة"، وقدرة الحكومة الكورية على ممارسة نفوذها في العالم من خلال جعل الدول الأخرى تتماشى مع مصالحها دون إكراه أو تهديد، لكن هل الجاذبية الثقافية تولد حقاً السلطة السياسية؟

يؤمن "مون جاي إن" رئيس كوريا الجنوبية بذلك، وهو حريص على استخدام سمعة بلاده الفنية المتزايدة في الأغراض السياسية. في إبريل 2018 اصطحب "مون" مجموعة من نجوم البوب الكوري إلى حفل موسيقي في بيونج يانج كجزء من محاولة لتحسين العلاقات مع كوريا الشمالية. في فبراير 2020 أقام مأدبة غداء احتفالية للمخرج وطاقم فيلم  "Parasite"الذي فاز مؤخراً بجائزة أوسكار لأفضل فيلم.

وفي الأونة الأخيرة عين أعضاء "BTS" أكبر فرقة شباب في العالم كمبعوثين رئاسيين خاصين للأجيال القادمة والثقافة الكورية. وأخيراً ظهر إلى جانبه عدد من النجوم في الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي للترويج للتطعيم ضد فيروس كوفيد-19 والتنمية المستدامة.   مون ليس أول رئيس يأمل في أن يجلب الفن والثقافة فوائد سياسية.. فخلال الحرب الباردة جندت كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي الفنانيين في مواجهتهم الأيديولوجية، وهي ممارسة دفعت جوزيف ناي -أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد- إلى صياغة مصطلح "القوة الناعمة".

دعا توني بلير -رئيس وزراء بريطانيا بين عامي 1997 و 2007- الفنانين ونجوم موسيقى الروك إلى شقته في داونينج ستريت، وسعى وقتها إلى الاستفادة من جاذبية "Cool Britannia" ، وهو مصطلح غامض يهدف إلى التقاط الجاذبية العالمية للثقافة البريطانية في التسعينيات بطريقة لا تختلف عن العلامة التجارية للموجة الكورية المنتشرة حالياً. استخدمت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الفن والثقافة في مواجهة بعضهما البعض.

صحيح أنه من الصعب معرفة ما إذا كانت جهود "القوة الناعمة" تؤتي ثمارها دائماً. وقد يرفض البعض فكرة أن ثقافة البوب الأمريكية قد ساهمت في زوال الاتحاد السوفيتي، حيث إن النظام الاقتصادي المختل في الكتلة الشرقية ربما كان له علاقة أكبر بما حدث. وحقيقي أن "القوة الناعمة" ليست قوية بما يكفي للتغلب على العثرات أو نقاط الضعف الكبيرة، لكن بالتأكيد هناك تأثير كبير وعلاقة وطيدة بين الثقافة والاقتصاد، وهي العلاقة التي تناولها كبار الاقتصاديين بالتحليل.

وعدا الفوائد الاقتصادية يفسح الفن المجال للاهتمام بالمشاكل الاجتماعية بحيث يفسح الطريق لحملات العلاقات العامة القومية، والدليل علي ذلك أنه منذ حفلة الكيبوب في بيونج يانج شددت كوريا الشمالية قوانينها ضد الأذواق والأزياء الجنوبية، والتي تعتبرها تهديدات للاستقرار الاجتماعي في الجزء الشمالي، واتخذت الصين أيضاً إجراءات صارمة ضد الثقافة الكورية.

عندما بدأت كوريا الجنوبية رحلتها مع التنمية في أواخر خمسينات القرن الماضي كانت تنظر إلى مصر باعتبارها نموذج يمكن القياس عليه، الآن وبعد أكثر من سبعين سنة أصبحت كوريا الجنوبية تجربة صعبة المنال بالنسبة لمصر اقتصادياً، لكن الأسوأ أن يكون الفن الكوري على رأس اهتمامات ورغبات المصريين بعد التاريخ الطويل للفن المصري الدي يسبق بعقود حتى الكثير من الدول الغربية.. ولا بد أن نتحسر ليس فقط علي اقتصاد متراجع، لكن أيضاً على فن وثقافة فقدا بريقهما كانا في يوم من الأيام ضمن أهم ثلاثة مصادر للثقافة في العالم.